السوريون يعبرون بوابات الاندماج بتحديات جديدة من بينها الثقافة واللغة والتعليم والعمل!

مازال الكثير من السوريين يطرقون بوابات اللجوء في دول العالم، وإن تباينت هذه الأيام أسباب هربوهم إلى المنافي، لكن الحرب بتداعياتها ستبقى هي السبب الرئيسي لتشرد الملايين إلى أوروبا عامة وألمانيا خاصة.. وبحسب المكتب الاتحادي للإحصاء بألمانيا فإن عدد طالبي اللجوء زاد في نهاية العام الماضي إلى أكثر من 1,8 مليون شخص، ومنهم من حصل على حماية، ومنهم من حصل على إقامة، ومنهم من مازال ينتظر.

مازال الكثير من السوريين يطرقون بوابات اللجوء في دول العالم، وإن تباينت هذه الأيام أسباب هروبهم إلى المنافي، لكن الحرب بتداعياتها ستبقى هي السبب الرئيسي لتشرد الملايين إلى أوروبا عامة وألمانيا خاصة.. وبحسب المكتب الاتحادي للإحصاء بألمانيا فإن عدد طالبي اللجوء زاد في نهاية العام الماضي إلى أكثر من 1,8 مليون شخص، ومنهم من حصل على حماية، ومنهم من حصل على إقامة، ومنهم من مازال ينتظر.

بعد قرار المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بقبول نحو مليون لاجئ سوري بسبب ظروف الحرب في بلادهم، واتباع سياسة “الباب المفتوح” أمام هؤلاء اللاجئين.. بدأت تتشكل ملامح واضحة لوجود جالية سورية في المدن الألمانية، وأصبح هناك وجود قوي للشباب في برلين، وصار من المألوف وجود مقاهي ومحلات وبضائع ومطاعم.. وحتى شوارع سورية بكاملها في بعض المدن، ففي مدينة “ساربروكن” جنوب ألمانيا مثلاً، عدد الجالية العربية عامة والسورية خاصة يتجاوز الستين بالمئة من عدد السكان في قلب المدينة، ويُقال إن بعض الألمان صاروا يطلقون عليها اسم  ” درعا بروكن”..

المسؤولية مشتركة

إن لهذا التواجد الحميمي في بعض المدن سلبياته وإيجابياته، فوسائل الاعلام تشير إلى أن بعض الجاليات العربية تحتض “مافيات” تتاجر بالممنوعات ولا يمكن اختراقها، وبعضها الآخر يشجع على التعصب ويحد من الاندماج والتعايش الطبيعي..و.. وهنا يلّح السؤال: إذا كانت الجهات المختصة في الولايات والمدن الألمانية هي فقط من يشرف على توزيع اللاجئين والمهاجرين، فلماذا تركوهم في هذه التجمعات أصلاً؟ وإذا كان هذا “الجيتو” حقاً يعرقل الاندماج كما ترى وسائل الاعلام الألمانية، فإن الواقع يحمّل المسؤولية للطرفين، ولا يتوقف الأمر على التوزع الديمغرافي وحسب، بل على كل مقومات الاندماج وأسسه وعناصره وشروطه، فالحكومة الألمانية لم تستفد بما يكفي من اللاجئين وإمكانياتهم عن طريق فتح الباب أمامهم في التعليم، وخاصة في الجامعات، ولم توفر لهم فرص في سوق العمل، وخاصة للكبار منهم، ولم تقدم للشباب الخيارات التي تناسب رغباتهم وتطلعاتهم.. وفي المقابل: اللاجئون لا يبذلون ما يكفي للمشاركة في الحياة اليومية وتعلم اللغة والتواصل مع الآخر، ومعرفة ثقافة مجتمعهم الجديد.

الثقافة أسلوب حياة

مازال البعض يعتقد أن الثقافة ترتبط بالفنون السبع، والكتب والمطالعة واكتساب المعارف ومتابعة كل جديد، بعيداً عن التدقيق في منابع ومصادر وجوهر هذا الجديد.. ويعتقد آخرون أن التعليم والمدارس والجامعات هي منبع الثقافة وحسب، في حين كلنا يعرف محدودية المناهج الدراسية والجامعات في إحاطتها بكل جوانب حياتنا المتطورة بتسارع مستمر، واذا كانت الأقلية “النخبة”  تعتمد على قراءة الكتب والمطالعة اليومية، فإن الأغلبية تعتمد على وسائل الاعلام بكل اشكالها البصرية والسمعية، وخاصة ما بات يُعرف “بالسوشيال ميديا” ومواقع التواصل الاجتماعي.. وهي في الواقع سلاح ذو حدين، وترجع  أضرارها وفوائدها إلى الشخصية المستقبلة لها والمتعاملة معها، ومقدار وعي وثقافة هذه الشخصية.. وليس كل من  كسب المعارف والمعلومات وقرأ الكثير من الكتب يعتبر مثقفاً.. المثقف الحقيقي هو من صقلته تجارب الحياة وعلمته ما لم تعلمه المدارس والجامعات.. هو صاحب التفكير العلمي النقدي الذي يكشف به عن المسلمات ويقارب قضايا مجتمعه باعتماد العقل والمنطق، ويتبنى هذا النهج بقناعته السليمة، ليس على الصعيد النظري وحسب، بل على الصعيد العملي واليومي.. فالثقافة أسلوب حياة. وحين تكون ثقافتنا في ممارساتنا اليومية، فهذا يعني بناء علاقة جدلية فاعلة مع الآخر، والارتقاء بالاندماج الى العطاء المتكافئ، الذي يصبو إلى مايسمى ب “التثاقف” والتبادل المعرفي والسلوكي في آن. 

فاحترام القوانين ثقافة عامة تخص الجميع في تبادل الحريات والتعبير عن الذات ضمن حدود مرجعيات الشخصية المنطقية.. الشخصية البعيدة عن الأنانية والتعصّب والتسلط والكراهية.. المشبعة بالحب والتفاؤل والأمل..

و (معاملة الناس كما تحب أن يعاملوك)  تؤسس لمجتمعات آمنة متفاهمة وراقية، كون الثقافة أسلوب حياة الجميع، ولا تطال الانسان وحسب ، بل أيضاً البيئة المحيطة به، فالمحافظة على الطبيعة والرأفة بمكوناتها وكائناتها، هي من أساسيات احترام الانسان الذي يعيش معها وفيها ومنها..

اللغة والتعليم

يبدو أن الزيادة المضطردة في اعداد اللاجئين العرب في ألمانيا خلال السنوات العشر الأخيرة، اعادت الى السطح علاقة لغتها بالعربية عبر التاريخ، والمستجدات الحالية التي تحدث في حركة التثاقف والاندماج بين اللاجئين وأغلب شرائح المجتمع الالماني، وبغض النظر عن التجاذبات الاكاديمية في المدراس والجامعات، فإن بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي باتت تهتم بعلاقة اللغتين وتسلط الضوء على كتب لباحثين ألمان تناولوا هذا الموضوع.

وبشكل عام فإن الألمانية كأي لغة في أوروبا توجد فيها مفردات من أصل عربي أو من أصول مشتركة، انتقلت إليها عبر حركة الترجمة العالمية، وتواصل الحضارات وتأثرها بما شهده العالم الإسلامي في القرون الوسطى من تطور علمي وتقني، وإن لم تتأثر الألمانية بالعربية من حيث بنائها وقواعدها، فإن للغتين صعوبتهما في النحو والاعراب، والتعريف والتنكير والتأنيث والتذكير والجمع، وبعض القواعد اللغوية الأخرى  التي سيكتشفها اللاجئ  بعد وصوله إلى بر الأمان، فاللغة الألمانية من أكبر التحديات أمام السوريين في عبورهم بوابات الاندماج، فإضافة إلى اعتزاز الألمان بلغتهم، واعتبارها جزءاً رئيسياً من قوميتهم، منهم من يبالغ بوحدانيتها حد التعصب، ومنهم قد يحاول مجاملتك ببعض الكلمات الانجليزية رغم معرفته الجيدة بها، لكنها تبقى هي اللغة الوحيدة التي يتم التحدث بها في الدوائر الحكومية، وأثناء الدراسة أو التدريب أو في العمل أو حتى في الأسواق والمرافق العامة. 

ولأن اللغة بوابة الاندماج، والاندماج يعزز اللغة، والألمانية ستساعدك على التواصل مع السكان والتعايش معهم، إلا أن هذا لا يكفي أبداً لتعلم هذه اللغة الصعبة، ولذلك تعمل الحكومة على جعل تعلم اللغة من شروط حصول اللاجئ على الإقامة أو الجنسية، وغالباً ما يكون اللاجئ مجبراً على دخول دورة الاندماج، مما يعني أن عليه التسجيل في دورة محددة في موعد محدد، وإذا لم يسجل في الوقت المناسب، فقد يخفض مكتب العمل ” الجوب سنتر” من مخصصاته.

وهناك دورات للذين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة بشكل جيد بأي لغة، وللذين ليسوا على دراية بالأبجدية اللاتينية ولكن يمكنهم القراءة والكتابة بلغة أخرى، ولذوي التعليم العالي، وهناك ما يسمى بالدورات المكثفة.

نحو مناهج جديدة لتعليم العربية 

مع قدوم هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين والوافدين العرب إلى أوروبا عامة، وألمانيا خاصة، ثمة دعوات تطالب بضرورة إدماج مادة اللغة العربية في الحياة المدرسية كمادة إلزامية، حيث أن الطابع الإلزامي سيمنحها حيزاً قانونياً وإدارياً لتواكب باقي المواد المدرسية الإلزامية بدءاً من المرحلة الابتدائية، وتأخذ وضعها الرسمي في بقية المراحل.. ولكن في الوقت نفسه ثمة دعوات، كانت ومازالت، تطالب المؤسسات الحكومية والخاصة والهيئات الأكاديمية والتعليمية عامة، والجامعة العربية خاصة، بضرورة اعتماد مناهج مدرسية موحدة لتعليم اللغة العربية في المدارس الغربية، وذلك عبر مناهج علمية واقعية منطقية من وحي البيئة الثقافية والفكرية والسياسية.. والحياة اليومية التي يعيشها المجتمع الأوروبي.

إذن لابد أن يرافق المطالبة بتعميم إلزامية مادة اللغة العربية في مدارس كل الولايات الألمانية، بلورة حقيقية لمناهج دراسية جديدة، تتجاوز العقبات التي تحول دون ايجاد أرضية مناسبة لتعلّم اللغة بشكل علمي ومنهجي، وليس كلغة أم للمهاجرين واللاجئين من أصول عربية وحسب، بل وكوسيلة ناجعة لمحاربة التطرف والتعصّب والانغلاق، ولتحسين اندماج القادمين الجدد في المجتمع الألماني والتفاعل مع كل مكوناته.

وإذا ما قرأنا المعطيات بدقة، سنجد أن كل الظروف مواتية في الدول الأوروبية لتطوير المناهج التعليمية والمحافظة على العربية كلغة أم، فالمادة 22 من الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية، تؤكد أن الإتحاد يحترم التنوع الثقافي والديني واللغوي، وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل تؤكد أيضاً أن تعليم الطفل ينبغي أن يهدف إلى تنمية احترام الهوية الثقافية للطفل ولغته وقيمه الخاصة به.. وهذا يتناغم تماماً مع توجهات الحكومة الألمانية، وسياساتها في التعليم والاندماج، واحترام اللغات الأم، بل ويقول  أولريش ميهلم، أستاذ علوم التربية بجامعة غوته بفرانكفورت، إن إتقان اللغات الأم يساعد على تعلم الألمانية، وعندما تكون للتلاميذ ظروف ملائمة للاستفادة من لغاتهم الأم فإنهم يكونون أكثر استعداداً للتفاعل مع التعددية اللغوية.. فالتعلم السليم للغة الأصل والقدرة على التواصل بها شفهياً وكتابياً يُسهم، في تعزيز قدراتهم اللغوية العامة إلى حد كبير، ويُسهل عليهم تعلم اللغة الألمانية بل ولغات إضافية يتلقونها في المحيط المدرسي مثل الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية. ولكن كيف يتحقق التعلّم السليم لو تم توحيد القضايا التي تتعلق بصلب العملية التعليمية؟

لابد من استحداث مناهج تربوية جديدة، تفصل العربية عن الدين وطوائفه ووجهات نظره المختلفة المتعلقة بكل مذهب وطريقة. وتعمل على توعية المتعلمين والارتقاء بالنواحي الأخلاقية والسلوكية والقانونية والبيئية والانسانية، والاهتمام بمواهبهم وميولهم، وتنمية شخصياتهم وثقتهم بأنفسهم.. والمناهج التربوية الألمانية، لا تدعو مطلقاً لتبني ثقافة كره العائلة أو الخروج عن العادات والتقاليد، بل تدعو إلى استقلالية التفكير والخروج عن المألوف والإبداع في العمل وتنمية المواهب.

((الاوسبيلدونغ)) والفرص الوظيفية 

قد يبدو  للوهلة الاولى أن دفع أو اندفاع اللاجئين نحو التدريب المهني ((الاوسبيلدونغ)) يصب في مصلحة الحكومة الألمانية وبرامجها الاقتصادية في سد النقص الحاصل، أو الذي يحصل، في الايدي العاملة من جهة، وتوفير أيدي عاملة رخيصة من جهة ثانية.

لكن المتمعن في هذه المعاهد المهنية سيجد أنها تصب في سياسة الاندماج والتأهيل، وصناعة الفرص للاجئين الشباب، فهذه المعاهد لا تقتصر على العمل الحرفي أو العضلي وحسب، بل هناك ما يربو على 355 تخصصاً دراسياً، منها التمريض، وإعادة تأهيل العجزة، وتقانات الكهرباء، والسكرتارية، والفندقة، والصيدلة ..وغيرها، فالتدريب المهني في ألمانيا ينقسم إلى قسمين: القسم العملي، وتكون الدراسة في مكان العمل، والقسم النظري الذي يكون في مدرسة خاصه أو حكومية.

وبالاضافة الى أن (( الاوسبيلدونغ)) يمنح الطالب مهنة يدخل بها سوق العمل بجدارة، فأنه أيضاً يحقق للطالب اللاجئ الاستقرار والاستقلال المالي، أي أنه طيلة فترة دراسته لايحتاج للاعتماد على والديه لتغطية نفقات معيشته أو تعليمه، كونه يكسب ما يكفي لإعالة نفسه، بالاضافة إلى فرص متاحة  للوظيفة بعد الانتهاء من التدريب.

ومع كل هذا هناك أسئلة مشروعة بخصوص نخبوية هذه المعاهد بالنسبة للاجئين، كأن يكون الطالب في مدرسة مهنية من الصف العاشر حتى الصف الثاني عشر ، وأن لا يزيد  عمره عن 24 سنة.. فماذا بخصوص باقي اللاجئين تبعاً لأعمارهم وتحصيلهم الدراسي؟

 وماذا عن اللاجئ الذي يرغب في إكمال دراسته الجامعية .. هل يمتلك فرص مناسبة لذلك؟

هل من تدفعه الحاجة للدخول إلى معاهد التدريب المهني يخسر تحقيق رغباته وأحلامه، وربما مواهبه أيضاً؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تعليق 1
  1. ادهم يقول

    نستطيع القول ان معظم اللاجئين في العالم و على اختلاف ثقافاتهم يشتركون بنفس المعاناة ان صح القول في الاندماج في المجتمع الجديد.
    لكن لفت نظري ما جاء في المقال بخصوص اللغة العربية وهذا حلم اسعى اليه مع بعض الاصدقاء وهو فصل اللغة العربية عن الدين ، لا اعرف اذا كان هناك بعض المشاريع القائمة حاليا في المانيا والتي يمكن التواصل معها لمعرفة ماهي امكانية وضع مناهج جديدة -خصوصا للاطفال- لتعلم العربية كلغة منفصلة عن الدائرة الدينية الضيقة .
    شكرا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد