أسطورة الرز الجَبُّولي

بعد الدوام، صلى رئيس الوزراء العصر إماماً، كعادته، واقتدى به الوزراء كلهم عدا وزير التلاميذ والطلبة، لأنه مسيحي، و”وزير الضَرْب بالمليان”، لأنه مشغول بمكافحة الإرهاب، وقد حصل على فتوى صريحة من مفتي الديار

قصة: خطيب بدلة (سورية)

حدثني صديقي الفنان ماهر حميد، قال، حدثني أبو قدور ابن أخت الرفيق “أبو العز” وزير الزراعة والإصلاح الزراعي، قال، رَوَتْ زوجة خالي السيدة أم العز لزوجتي أم قدور حكاية “طاقة السعد” التي انفتحت لزوجها في الوزارة، وكيف عَمّ الخير على الأسرة كلها، وصار معهم مال يكفيهم إذا قعدوا بلا شغل حتى منتصف القرن الحادي والعشرين.

تقول القصة كما يتخيلها ماهر حميد من خلال رواية أبي قدور، إن معالي رئيس الوزراء دخل مكتبه، ذات صباح، منشرح الصدر، بسام الوجه، وقال لسكرتيرته، وهو ماش نحو الكنبة الواسعة التي اعتاد الجلوس عليها حينما يكون مسروراً:

– اطلبي لي وزير الزراعة أبو العز حالاً.

وجلس، ولف ساقاً على ساق، وأضاف:

– قولي له يجيب معه ملف الرز، والأفضل يجي بعد الدوام، لأنه في احتمال يستدعينا رئيس الجمهورية، أثناء الدوام، لاجتماع طارئ.

بعد الدوام، صلى رئيس الوزراء العصر إماماً، كعادته، واقتدى به الوزراء كلهم عدا وزير التلاميذ والطلبة، لأنه مسيحي، و”وزير الضَرْب بالمليان”، لأنه مشغول بمكافحة الإرهاب، وقد حصل على فتوى صريحة من مفتي الديار “الشيخ أحمد أبو أَلُّوسة” تنص على إعفائه من الصلاة من الآن وحتى يقتل آخر إرهابي موجود في البلاد، ووزيرة المصالحة الأهلية التي كان لديها في ذلك اليوم مانع شرعي، وكذلك وزير الدولة لشؤون الحدائق الذي أعفاه مفتي الديار أبو أَلُّوسة من صلاة الجماعة بسبب ضخامة جسمه، خشية أن ينشرط بنطاله من الخلف أثناء السجود.  

بعد انصراف الجميع، دخل وزير الزراعة أبو العز إلى مكتب رئيس الوزارة وقال له:

– تقبل الله العظيم معلم.

رد عليه رئيس الوزراء: منا ومنكم صالح الأعمال. ناولني هالكلاسور لأشوف.

قدم أبو العز الكلاسور الذي يتضمن ملف الرز الجبولي لرئيس الوزراء بيد مرتجفة، وقلق كبير على مصير مشروعه. ولكن الرئيس ابتسم ابتسامة مريحة وقال له:

– اسماع يا أبو العز المحترم، أقسم بشرفي، وبمعتقدي، المشاريع اللي انعرضت عليّ بهدف إنقاذ الاقتصاد الوطني أكتر من القش والتراب، لكن أنا متلما بتعرف ما بقدم على أي عمل قبلما إستشير الرحمن، لذلك بيتت استخارتين، وحدة بين المشاريع المقدمة كلها، والتانية إفرادية، يعني لكل مشروع على حدة، والرحمن سبحانه وتعالى شرح قلبي وفتح الله بصيرتي على مشروعك المتعلق بزراعة الرز “الجبولي أبو خط” في ربوع بلادنا الغناء.

كاد أبو العز يرقص وهو جالس على الكرسي من شدة الفرح، ولم يستطع أن يقول سوى جملة قصيرة واحدة: على راسي معلمنا. الله يطمنك ويجبر خاطرك.

قال رئيس الوزراء: وبحب هلق أزف لك بشارة تانية، وهيي إني عرضت مشروعك ع القيادة العليا، ووافقت عالمشروع، وصار بإمكانك تتحرك من هاللحظة.. والمأمول فيك يا أخي أبو العز إنك تكون على قَدّ ثقتي وثقة القيادة، وتحط إمكانياتك وإمكانيات وزارتك كلها فيه، وإذا واجهتك مشاكل أو صعوبات ارفاع سماعة الهاتف واعزفْ لي: ألو.

اغتبط الوزير أبو العز، وما عاد يصدق متى ينتهي الاجتماع ليخرج إلى الممر، ويعزف (ألو) لأم العز.. وبالفعل خرج، وعزف لها، وبمجرد ما قالت: أي حبيبي، اندفع يزف إليها سلسلة البشائر المتتالية. قال لها إن سيادة رئيس الوزراء قد وافق على المشروع الذي اقترحته هي يوم طبخت “رز وبازليا”، وتَذَوَّق هو الرز بعد نضجه وقال: أم م م.. شو لذيذ، يسلموا إيديكي يا حبيبة قلبي.. فأوضحت له، حينئذ، أن هذا الرز من ماركة “الماوردي أبو سنّ” الذي ازدهرت زراعته مؤخراً في الصومال، وأن السيدة “سلاف” ابنة خال زوجة أخيها، التي اعتادت أن تمضي العطلة الانتصافية مع زوجها وعيالها في ربوع “مقديشو” الغناء، أكدت لها أن المرء، بمجرد ما يدخل أي “مول تجاري” في الصومال، يطالعه منظر أكياس الرز “الماوردي أبو سن” الذي يتميز عن الأرزاز الأخرى بلونه الزاهي، وحباته التي يصطف بعضها قرب بعض وكأنه اللُحْمَة الوطنية التي يتحدث عنها الرفاق الوزراء في المهرجانات الخطابية، وقد أحضرت لها “سلاف”، كيسين من هذا الرز، وقالت لها اعتبريهما، يا عزيزتي أم العز، (كادو) مني.. فشكرتها، وجربت أحدهما في طبخة “مقلوبة الباذنجان”، فوجدته رزاً ممتازاً لا (يَقْرُط) في الفم أثناء المضغ، ولا ينخبص، أثناء الطبخ، ولا يشوط، ولا يعلق في أسفل الطنجرة.. وقتها اقترحت أم العز إجراء تعديل طفيف على الاسم الأصلي، ليكون اسم الرز الذي سيقترح أبو العز زراعته في بلادنا: (جَبولي أبو خَطّ) وهو وافق على اقتراحها بحماس..

البشرى الثانية، قال أبو العز، أحسن من الأولى بكثير، وهي أن (الغَرْبَلة) التي ستُجريها القيادةُ الحكيمةُ للوزراء في التعديل الوزاري القادم، أصبح من المستبعد أن تطاله، فقد جرت العادة أن يُهْمَل الوزيرُ الذي سوف يُستبعد قبل موعد التعديل الوزاري بثلاثة أشهر على الأقل، وتجمد المشاريع التي بدأها من قبل، وترفض مشاريعه المقترحة الجديدة..

أم العز: وقف شوي حبيبي، خليني أزلغط.

أبو العز: طولي بالك حتى أخلص كلامي. يا ستي اللي بيصير لما بتطلع ريحة تعديل وزاري إنه رئيس الوزراء بيهمس لموظف الأمانة العامة بإنه ينط فوق اسم الوزير اللي بده يتطرنب لما بيصير تبليغ للوزراء منشان حضور الاجتماعات الطارئة، فإذا سأل هالوزير أو احتج بيجاوبه موظف الأمانة (والله يا معلم إسمك سقط سهواً)، وأحياناً بيتصل موظف الأمانة بمنزل الوزير المطرنب وبيبلغ زوجته بأنه لازم يتصل برئيس الوزارة لأمر طارئ، ولما بيتصل بيلاقي الرقم مسكر، يا إما بترد عليه السكرتيرة وبتقله (آسفة أستاذ.. المعلم عنده اجتماع)، وهيك بيمر الاجتماع وهوي برات التغطية.. بالنسبة إلي الموضوع صار محسوم، بدليل إنه وقع اختيارهم على مشروعي، وطلب مني رئيس الوزارة إني باشر فوراً، وبالأمارة كان متوضي، لأني اجتمعنا بعد الصلاة مباشرة، ومو معقول يكون نفس خلال هالوقت القصير. وأما المفاجأة السارة التالتة..

– رايح يوقف قلبي. لسه في مفاجآت؟

– بقيت وحدة، بس ما فيني إحكيها ع التلفون.. إنتي بتعرفي مشكلة الخطوط اللي عنا، أحياناً بتعلّق، وبتتداخل، لذلك مو حابب حدا يطلع على الخصوصيات اللي بيني وبينك، وأكيد إنتي هلق فهمتي علي.

قالت: يبعت لك!

وقال ماهر حميد: أكد لي صديقي أبو قدور إنه كل شي حكاه أبو العز لزوجته أم قدور صحيح، وتحقق على أرض الواقع، عدا المفاجأة السارة اللي قال إنها ما بتنحكى ع التلفون. أم العز، حلفت لأم قدور يمين معظم أن أبو العز من عشر سنوات ما دقرها، مو تعفف ولا إهمال، لكن الرجل، مع الأسف، ما بيطلع معه!

(من المجموعة القصصية “اساطير بعثية) الصادرة عن دار موزاييك- تركيا 2021 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد