فقه المدن الموبوءة في حقبة وباء كورونا الجارف!!

الطاعون “الجارف”  هكذا سمي العرب الأوبئة التي تقتل البشر. قدر الله تعالى أن ندرك وباء كورونا الذي يجتاح العالم.

في هذه المقالة أريد أستذكار حدث رواه البخاري (5739) ،ومسلم (2219) 

عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني : الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُواعَلَيْهِ،وَإِذَاوَقَعَ بِأَرْضٍ وَ أَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُو افِرَارًا مِنْه)

هذا الحديث يثير تساؤلات عدة حول فقه المدن الموبوءة. فالأساس عدم دخول المدن الموبوءة. ولكن ماذا عن مغادرتها؟ 

وكيف فهم الصحابة هذا الأمر النبوي؟

حول فقه الأوبئة والطواعين الجارفة نتباحث في فقه المدن المعزولة والأوبئة

فقد أفتى ابو موسى الأشعري . بجواز ترك المدن الموبوءة إذا اعتقد التارك بأنه ليس مريض.

في هذا الخصوص

يروي طارق بن شهاب البجلي أنه مع نفر أقبلوا على أبا موسى الأشعري وهو في داره بالكوفة ليتحدثوا عنده،

فلما جلسوا قال أبو موسى: لا عليكم أن تخفّوا يعني تغادروا، فقد أصيب في الدار إنسان

بهذا السقم أي بذلك الوباء،

ولا عليكم أن تنزّهوا عن هذه القرية، فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها حتى يرفع هذا الوباء؛ 

سأخبركم بما يكره مما يتّقى، من ذلك أن يظن من خرج أنه لو أقام مات، ويظنّ من أقام

فأصابه ذلك لو أنه لو خرج لم يصبه،

بهذا النص التالي يكون أبو موسى قد وضع قاعدة شرط الخروج من الكوفة والتي كانت موبوءة حينها 

“فإذا لم يظنّ هذا المرء المسلم فلا عليه أن يخرج، وأن يتنزّه عنه” يعني إنه إذا ظن أنه غير مصاب فيحق له

الخروج.

ثم يستشهد أبو موسى الأشعري بأنه كان مع أبى عبيدة بن الجراح بالشام عام طاعون عمواس، فلما اشتعل

الوجع، وبلغ ذلك الخليفة عمر بن الخطاب، فأراد عمر أن يخرج أبو عبيده فكتب عمر إلى أبي عبيدة ليستخرجه منه:
أن سلام عليك، أمّا بعد، فإنه قد عرضت لي إليك حاجة أريد أن أشافهك فيها، فعزمت عليك إذا نظرت في

كتابي هذا ألّا تضعه من يدك حتى تقبل إلي.

قال أبو موسى الأشعري: فعرف أبو عبيدة أنه إنما أراد أن يستخرجه من الوباء، قال: يغفر الله لأمير المؤمنين! 

ثمّ كتب إليه: يا أمير المؤمنين، إني قد عرفت حاجتك إلي، وإني في جند من المسلمين لا أجد بنفسي رغبة عنهم، 

فلست أريد فراقهم حتى يقضي الله في وفيهم أمره وقضاءه، فحلّلني من عزمتك يا أمير المؤمنين، ودعني في جندي.

فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، أمات أبو عبيدة؟ قال: لا، وكأن قد. قال: ثم كتب إليه: سلام عليك، أما بعد، فإنك أنزلت الناس أرضا غمقة، فارفعهم إلى أرض مرتفعة نزهة. فلما أتاه كتابه دعاني

فقال: يا أبا موسى، إنّ كتاب أمير المؤمنين قد جاءني بما ترى، فاخرج (يعني طلب من أبو موسى المغادرة لأن زوجة أبو عبيدة مصابة) صاحبتي قد أصيبت، فرجعت إليه، فقلت له: والله لقد كان في أهلي حدث، فقال:

لعلّ وضع رجله في غرزه طعن، فقال: والله لقد أصبت. ثم سار (أبو موسى الأشعري) بالناس حتى نزل الجابية، ورفع هناك عن الناس الوباء.

ثم لما اشتعل وجع الطاعون ب أبو عبيدة قام في الناس خطيبا، فقال: أيّها الناس، إنّ هذا الوجع رحمة بكم

ودعوة نبيكم محمد، (ص) وموت الصالحين قبلكم، وإنّ أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له من حظّه. فطعن فمات،

واستخلف على الناس معاذ بن جبل وهو موجوع. قال: فقام خطيبا بعده، فقال: أيها الناس، إنّ هذا الوجع

رحمة بكم، ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم، وإن معاذا يسأل الله أن يقسم لآل معاذ منه حظهم،

فطعن ابنه عبد الرحمن بن معاذ، فمات. ثمّ قام فدعا به لنفسه، فطعن في راحته؛

فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه، ثم يقول: ما أحبّ أنّ لي بما فيك شيئا من الدنيا، 

فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص ر.، فقام خطيبا في الناس، فقال: أيها الناس، إنّ هذا الوجع

إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبّلوا منه في الجبال. فقال أبو وائلة الهذلي: كذبت؛ والله لقد صحبت

رسول الله وأنت شرّ من حماري هذا! قال: والله ما أردّ عليك ما تقول، وايم الله لا نقيم عليه.

ثم خرج وخرج الناس فتفرّقوا، ورفعه الله عنهم. 

قال أبو موسى الأشعري: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو بن العاص، فوالله ما كرهه.

هذا ما قرأت لكم من فقه القدماء وحمانا الله في ألمانيا وفي أوروبا والعالم العربي والإسلامي وكافة سكان

الكرة الأرضي بقدرة اسمه العظيم “الحافظ” من شر ما خلق وحصّننا بفضل حبنا للصالحين القدمآء ورحم الله الأموات منّا والأحياء.

وفي أمان الله وحفظه ورعايته

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد