واقع الإيجار في سورية: غلاء فاحش وممارسات لا أخلاقية

أرقام خيالية ودخل ضئيل وصل إيجار الغرفة المفروشة (نصف فرش أو فرش كامل) إلى ما يفوق مرتّب الموظف الحكومي وما يقارب نصف أو ثلثي مرتّب الموظف في شركة

أرقام خيالية ودخل ضئيل وصل إيجار الغرفة المفروشة (نصف فرش أو فرش كامل) إلى ما يفوق مرتّب الموظف الحكومي وما يقارب نصف أو ثلثي مرتّب الموظف في شركة خاصة؛ أي أنّك ستدفع الإيجار وتصل إلى الأسبوع الثاني من الشهر وأنت في حاجة إلى اقتراض مبلغ من المال يكفيك لشراء قوت أيامك القادمة فقط.

جشع المؤجرين والوسطاء، واستغلالهم حاجة المستأجر


لكي تستأجر غرفة فأنت بحاجة إلى دفع الإيجار وقد يطلبون منك دفعاً مقدماً عن ستة أشهر قادمة، مع دفع عمولة للوسيط أو المكتب العقاري مساوية لإيجار الشهر، ودفع تأمين تساوي قيمته قيمة الإيجار. وبحساب بسيط تكتشف أنَّك قد أصبحت مديناً (مديوناً) لسنة على الأقل من أجل الحصول على أربعة جدران تأويك بضعة أشهر!

انتهاك الخصوصية والممارسات اللا أخلاقية هي السياسة العامة


في أوضاع لا تختلف كثيراً عن الحياة في الغابة؛ حيث لا رادع أخلاقي ولا مبدأ اجتماعي أو إنساني ولا قانون صارم يحدد بوضوح طبيعة العلاقة بين المؤجّر والمستأجر، وشكل الإيجار وحدوده؛ تصبح التجاوزات والأفعال غير الأخلاقية المتمثلة بالتعدي على خصوصية المستأجر أو العبث بأشيائه الشخصية أو حتى السرقة والمراقبة والتنصّت… كل تلك الأفعال تصبح عادية وربّما طبيعية “بحكم الواقع” لدى البعض، إن لم يصل الأمر إلى محاولات التحرش بالفتيات أو فرض الرأي والتسلط أو الإساءة المباشرة مثل الاعتداء الجسدي بالضرب أو التهديد بالضرب أو الإساءة اللفظية.
أما عن الوسطاء، وعندما يؤمِّنون غرفة لفتاة أو طالبة جامعية، فليس مستبعداً أن تكون الفتاة أمام خيارين: أن تدفع عمولة المكتب المساوية لقيمة الإيجار، أو أن تمنحهم جسدها بطريقة ما؛ فيعفونها من الدفع. في موقف أصبح عادياً، يتصل صاحب المكتب العقاري (أبو مالك) بصديقتي، فأطلب منها: “افتحي سبيكر”، فيحادثها بطريقة “لزجة” وفي محاولة واضحة للتودد بأنه أعفاها من دفع العمولة له: “تعالي منشرب فنجان قهوة عندي، لا تفكري عم حاكيكِ مشان المصاري”.
ولم نتحدّث بعد عن التهديدات التي تلحق بذلك؛ كتشويه سمعة الفتاة التي عبثوا معها أو حتى التي لم تقبل بقذارتهم فثارت نرجسيتهم الذكورية “نقحت عليهن” ليحاولوا الثأر بأساليب رخيصة كاختلاق قصص عنها أو فضح خصوصيتها أمام محيطها وأهلها، فضلاً عن التهديد بإلغاء خدمة ما؛ مثل قطع الإنترنت أو إلغاء (اللدات) التي تعمل عند انقطاع الكهرباء، أو قطع الماء أو حتى محاولات التضييق على المستأجر -ولا سيّما إن كانت فتاة- بالمراقبة أو المناوشات اليومية على أمور تافهة، واقتحام خصوصيتها في وقت متأخر بطرق الباب عليها بحجة السؤال عن أمر ما، أو حتى تهديدها بالطرد متى شاء مزاج المؤجر المعتوه دون سابق إنذار ودون وجود سبب مقنع.

المشكلة أكبر من مشكلة إيجار


إنَّ العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وبين المحتاج ومن يسدّ الحاجة، والعلاقة بين المستأجرين الذين يتقاسمون هذه الحاجة؛ هي صورة مُصغَّرة عن المجتمع المُعنَّف والمأزوم بكل مشكلاته؛ إذ تحمل في صميمها أساليب فرض السلطة وكسب التبجيل وجعل الآخرين في حالة دائمة من القلق والخوف والترقّب. عندما تُختلق آليات الإذلال العامّة من استغلال مقومات الحياة الضرورية لدى الجمهور ومنعها عنه وحرمانه منها؛ بدءاً من رغيف الخبز وليس انتهاءً بسقف يحتمي به، تصبح مظاهر التسلسل الهرمي في دوائر المجتمع الصغيرة أمراً متوقعاً اعتيادياً لا تخطئه ملاحظاتنا اليوم؛ إذ تظهر في تسلط الرجل على المرأة، والكبير على الصغير، والأستاذ على الطالب، والموظف على المواطن، والمؤجر على المستأجر، والبائع على المشتري… الخ.
ندور في حلقة مفرغة من العنف ومحاولات الهيمنة، التي تتسرب عفوياً من حديث اجتماعي عابر أو تُوجّه مقصودة في نزاع أو خلافٍ ما، وإن كان خلافاً على شيء تافه؛ فلا يتعلق الأمر بشكل الموقف أو نوع الخلاف أو سببه، بل يتعلّق بآليات التعبير وردود الأفعال وحجمها، التي قد يسوّغها البعض بأنها نتاج الغضب و”يلعن الشيطان”، دون إدراك الفرق بين الغضب والعنف، وبين التسلط وما يدعونه تبجيلاً أو احتراماً. لكن هل نغض الطرف عن الفوضى في الدوائر الصغيرة بحجة أنَّها نتيجة منطقية لفوضى الدائرة الأكبر والعنف الممنهج فيها؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد