تشويه الترجمة لإرضاء النرجسية!.
يحلو للبعض خلط الأمور وتجاهل المسميات الوظيفية وما تنطوي عليه من مهام محددة وأخلاقيات مهنية. يبدو ذلك واضحاً في ميادين الثقافة؛ من تأليف وتحرير وترجمة وتحقيق. وفي الخلط بين الترجم…..
يحلو للبعض خلط الأمور وتجاهل المسميات الوظيفية وما تنطوي عليه من مهام محددة وأخلاقيات مهنية. يبدو ذلك واضحاً في ميادين الثقافة؛ من تأليف وتحرير وترجمة وتحقيق. وفي الخلط بين الترجمة والتأليف يستند البعض إلى القول: “المترجم مؤلف ثانٍ” ولا تقتصر المشكلات الناتجة من قول كهذا على خيانة النص الأصلي وقصد مؤلفه، بل تتعداها إلى استغلال المؤلِّف والمؤلَّف لخدمة إيديولوجيا يتبناها المترجم أو الناقل والتجرد من أخلاق المثقف الرصين.
في كتابه (الترجمة المشوَّهة) يقول الدكتور وليد السراقبي: “يجعل البعض الترجمة في المنزلة الثانية بعد التأليف، لكن لا مراء في أنّها أكثر صعوبة من التأليف؛ ذلك أنّ المُنشئ الأول له مطلق الحرية في أداء معانيه وفق ما يختار لها من أثواب من اللفظ والتركيب. أما المترجم فإنه مكبَّل بالنص والمعاني التي يريد نقلها ومقيد بالأفكار والحقائق التي عليه ترجمتها؛ وهذا التقييد لا يعدو أن يكون شيئاً من التقييد العلمي حتى لا يجمح القلم بصاحبه ويشطّ به القول وينأى عن الدلالات المرادة”. وعلى ذلك، ندرك خصوصية الترجمة لكون النص في سياقه يحمل دلالات مضمرة لا يمكن تجاهلها عند نقله من لغة إلى أخرى. ويحتج البعض على ذلك بقولهم إنَّ لكل مجتمع قواعده التي لا يمكن غضّ الطرف عنها عند نقل نصٍّ ما إلى لغة هذا المجتمع، لكن شتّان بين مراعاة قواعد المجتمع بالحذف أو حتى الامتناع عن النقل من أصله والإشارة إلى ذلك بطريقة صريحة مع بيان السبب، وبين نقل النص ثمّ التعديل عليه وتنميطه أو حتى تحويله عن معناه بإقحام نصوص دينية أو تراثية في متنه، أو باختلاق نصوص ونسبها إلى المؤلِّف بعد دسّها في فصول مؤلَّفه، وكل ذلك تحت مسميات الحفاظ على القيم الاجتماعية أو حماية المعتقد من الضلال والبِدَع.
وكما أن الترجمة الحرفية (اللفظية) غير محمودة ومُشوِّهة؛ فإن الاجتهاد في الاقتباس وزجّ أبيات من الشعر الجاهلي أو كتب التراث، في النص الأصلي المُترجَم؛ بحجّة أنّ كليهما -النص الأصلي والنص المُقتبَس- يحمل نفس المعنى دون احترام ثقافة المؤلِّف وخصوصية نصّه؛ هو أمر يُعيب المترجم وثقافته.
ويجب على الناقل أو المؤلِّف إذا وجد تشابهاً بين فكرتين أو نصّين أن يشير إلى ذلك في هوامش الكتاب ومراجعه، أما المقدمة والخاتمة (الخلاصة) فهما مساحة حرّة لكتابة الرأي الخاص ووجهة النظر الذاتية والنقد وتدوين الاعتراضات؛ دون التعدّي على متن النص الأصلي.
إنَّ الأسس العلمية للترجمة والتحقيق تفرضُ التوثيق لكل صغيرة وكبيرة والدقّة في نقل المضمون ومراعاة سياق النص والثقافة التي جاء منها، أمّا أن تتحول الترجمة إلى وسيلة لإشباع نرجسية المترجم وإقناع ضميره الإيديولوجي؛ فهو أمر لا أسس له ولا رقيب عليه.