مرضى السرطان وضعهم أرحم مني

كانت غرفة مظلمة تفوح منها رائحة الموت كل شيئ غريب كنت مكبلة بالأجهزة وبالمفجرات الجراحية وصدمت عندما تحسست رقبتي وكان قد تم فتح وريد مركزي لي قلت في نفسي لماذا كل هذا الألم ولماذا كل هذه الندبات، بقيت في العناية المشددة لمدة اسبوع تقريبا وانا انتظر ساعة الموت.

مها محمّد

الحكام والحكماء هم أكثر الأشخاص الذين يتوجب عليهم مسؤوليات في هذه الدنيا، لكن للأسف الطب والسلطة هما مجرد طريقة لجلب المال لا أكثر. قبل أن أدخل في تفاصيل قصتي أود أن أقدم اعتذار بسيط لقلة قليلة من أصدقائي الأطباء.

قصتي: أنا فتاة اضطرت مغادرة بلادها بسبب الحرب إلى المانيا “الدولة العظمى” ولدت وأنا أعاني من مرض لا أريد أن أذكر اسمه وهو مرض نادر يصيب الطفل أو الطفلة من بين ٥ ملايين من الأطفال الذين يولدون. كانت صدمة لوالدي اللذان قضيا معظم وقتهما في رعايتي الصحية.

أجريت لي العديد من العمليات الجراحية عندما كنت طفلة واستطاع جسمي الصغير الضعيف أن يقاوم أدوات الجراحين ومسكنات الالم والمضادات الحيوية. لم تكن نتائج العمليات مرضية بالنسبة لي لأن سوريا من وجهة نظري ليست من الدول الاوائل في الطب.

كبرت وتأقلمت على الوضعي الصحي و استطعت بفضل رب العالمين ومحبة والدي التأقلم. لم يكن أحد يشعر بما أعاني به حتى أقرب الناس لي نظراً لخصوصية وحساسية المرض .

حبي للمعرفة والتعمق بهذا المجال جعلني اتابع تعليمي في قسم المختبرات والتحاليل الطبية لشدة معرفتي ومعاناتي. عملت بمهنتي لمدة ٨ سنوات في بلدي لذلك قررت الذهاب الى ألمانيا لكي اتعالج هناك و لأن وضعي الصحي تراجع بشكل كبير في آخر السنين ومعظم الأطباء غادروا سوريا لذلك اصبح وضع الطب في سوريا سيئ جدا.

تحملت عبء الطريق للقدوم إلى المانياو تحملت الغربة عن بلدي وصعبوبة تعلم اللغة الالمانية وطبيعة الطقس وحتى الطعام كان مختلف تماما عن طعامنا العربي.

ذهبت لطبيب سوري أخصائي في مجال المرض الذي أعاني منه، هنا أصبت بصدمة كبيرة عندما أخبرني أنه حتى في المانيا لايوجد حل نهائي لمشكلتي ربما يجدون لي حل لكن هذا الحل من العلاج له الكثير من المساوئ، لم أصدق هذا الكلام لطالما كانت المانيا من وجهة نظري و وجهة نظر الكثيريين بلد الطب والعلاج.

أصبحت على يقين بأني اعيش في كذبة كبيرة وبأن جميع الاخبار التي سمعتها عن تطور العلم في مجال الطب ومجال علم الوراثة والاجنة مجرد وهم، لكن بالرغم من إحباطي قررت أن أخضع للعمليات الجراحية هنا في المانيا فلم يكن لدي خيار آخر. أجريت العمليات في مركز متخصص في مدينة هامبورغ الألمانية.

بعد معاناة مع طبيبة التخدير وهي تحاول تخديري تخدير قطني حاولت الطبيبة ٤ مرات وبالرغم من ذلك لم تفلح في وضع الإبرة في النخاع الشوكي بعد ساعة كاملة من الالم والبكاء قالت لي سنكتفي بالتخدير العام

“اذا كنت يا عزيزتي ستكتفين بالتخدير العام فلماذا كل هذه المحاولات”

بعدها خدرتني تخدير عام، استغرقت العملية حوالي عشر ساعات كانت الامور على مايرام فجأة حدث شي لم يكن بالحسبان ارتفع ضغط الدم الشرياني وتسارعت نبضات قلبي وتم نقلي مباشرة إلى العناية المشددة

كانت غرفة مظلمة تفوح منها رائحة الموت كل شيئ غريب كنت مكبلة بالأجهزة وبالمفجرات الجراحية وصدمت عندما تحسست رقبتي وكان قد تم فتح وريد مركزي لي قلت في نفسي لماذا كل هذا الألم ولماذا كل هذه الندبات، بقيت في العناية المشددة لمدة اسبوع تقريبا وانا انتظر ساعة الموت. شعرت بأن موتي أصبح قريب ومحتم، بعدها بقدرة رب العالمين بدأت أتعافى ومررت بتحسن سريع خلال عشر ايام استطعت المشي مرة أخرى على قدمي وخف الألم بشكل كبير لذلك طلب الأطباء مني المغادرة. قالوا لي يمكنني مغادرة المشفى ويجب علي أن أعود بعد اسبوعان. غادرت المشفى وعدت لمكان سكني وهو مدينة ايرفورت التي تبعد ٥ ساعات عن هامبورغ.

لم يتحمل جسدي عناء السفر بعد هذه العملية الكبيرة، هنا بدأت أتذمر من الطب والاطباء ماذا حدث لو أبقوني تحت المراقبة و هم يعرفون مدى خطورة السفر على صحتي. عندما و صلت إلى مكان سكني نمت من شدة التعب والارهاق، استيقظت على حرارة مرتفعة جداً و وجع لا يحتمل طلبت الاسعاف وجاؤوا وأخذوني للمشفى وهناك اخبروني أن هناك مشكلة ما ويجب أن يجروا لي عملية أخرى….. بكيت وقلت لاأريد أن أجري العملية، أريد أن أموت فقط، عندها تذكرت أمي وأبي اللذان لازالا يبكيان ابنهما الوحيد الذي خطفته الحرب في عز شبابه كيف يمكن أن أفعل هذا بأبي وأمي، لذلك قررت أن أخضع لعملية أخرى، بقيت في المشفى لمدة اسبوعان وبعدها سافرت مرة أخرى إلى هامبورغ المكان الذي أجريت فيه العملية الاولى فمشفى هامبورغ يعتبر مشفى جامعي أخصائي.

في مشفى هامبورغ كان يجب عليهم سحب بقية المفجرات الجراحية وتدريبي على الوضع الجديد الذي يجب أن اعتاد عليه لكن هذا كله لم يحدث فلقد قرروا أنه يجب علي أن انتظر قليلا حوالي اسبوعان ولا يكمنني البقاء بالمشفى يجب ان اذهب للمنزل …غادرت مرة أخرى إلى مكان سكني وأعيدت نفس الحلقة الحرارة وانتان الدم ويجب إجراء عملية أخرى، هذه المرة لم أتذمر . وقعت لهم على بياض لأني كنت يائسة واللغة كانت تخونني بكثير من المواقف، احسست بأني واحدة من فئران التجارب الذين يريد الأطباء المتدربين أن يتدربوا عليها.

بعد اسبوعان سافرت مرة أخرى إلى هامبورغ  وهناك قرروا أخيرا سحب ماتبقى من المفجرات والقساطر ولكن قالوا لي لا يمكنني الذهاب للمنزل يجب أن أذهب إلي مصح للنقاهة يسمونه في باللغة الالمانية “Rehabilitation”

امضيت في المصح حوالي الشهر بدأوا يدربونني على كيفية التعامل مع الوضع الجديد وخضعت لجلسات مكثفة من العلاج النفسي لأن نفسيتي كانت مدمرة لأني كنت لوحدي طوال هذه الفترة ولم يكن قد مضى على وفاة أخي الوحيد سوى خمسة أشهر رحمه الله.

بعد مغادرة المصح مارست حياتي بشكل طبيعي لمدة خمسة أشهر بعد هذه الأشهر بدأ مسلسل الحمى وانتانات الدم مجددا، أمضيت حوال الثمانية أشهر وأنا أعاني من هذه المشكله، معظم وقتي أمضيه لدى الأطباء الذين أصبحوا يتذمرون عندما يروني.

اغلب الاطباء في المشفى لم يحاولوا أن يبذلوا أدنى جهد لمساعدتي و دائما يقوم الأطباء المتدربون بإجراء الفحص السريري و البعض منهم كان لم يسمع عن مرضي وهو من المفروض أن يكون طبيب أخصائي ، لم يقم أحد من الأطباء المشرفون بإجراء فحص سريري أو إعطائي لو عشرة دقائق من وقته وكانت الحجة دائما أنهم لديهم الكثير من المهام والكثير من المرضى، أحب أن أذكركم أيها الأطباء الأعزاء بأن الطب مهنة إنسانية قبل أن يكون مريول أبيض تتفاخرون به و مجرد مصدر لكسب المال أو لقب تحملونه وكان يجب  علي أن أتحمل المزاج السيئ للكادر التمريضي وأن اتحمل بعض المرضى العنصريين الذي ينظرون لي كمجرد لاجئة في هذا البلد حتى في آخر مرة قال لي أحد الأطباء انه يجب أن أكون ممنونة لما أنا عليه فأنا أتيت إلى المانيا وانا أعاني من المرض وهم قدموا لي المساعدة الكافية أما البعض الآخر يقول لي لازلت صغيرة في العمر ونحن نتفهم هذا الشيئ لكن ليس بوسعنا فعل أي شئ اما البعض الاخر فيرى أنه يجب أن أتحمل لبعض الوقت.

كم من الوقت يجب علي أن أتحمل وإلى متى سيتحمل جسدي الحمى التي قد تتسبب لي بأذية قلبية أو دماغية إلى متى وأنا لا استطيع أن أنام مثل بقية الناس و لا استطيع أن أمارس الاشياء التي أحبها. بالرغم من كل ما أعانيه، فأنا اعمل في مختبر طبي في المانيا وبحكم عملي في القطاع الطبي فإن رأيي أن مرضى السرطان وضعهم أرحم، فمريض السرطان لا يولد وهو معه سرطان بل هو يعاني من السرطان في مرحلة معينة من حياته وبعدها يحسم وضعه الطبي حتى الموت. إن الموت في كثير من الحالات هو أرحم من لحظات العجز والألم. يارب إرحم ضعفنا.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تعليق 1
  1. Rahaf omran يقول

    سلامتك مهوشتي الله يشفيكي ويشغيني ويشفي كل مريض ….الله كريم ياحبي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد