لوم الضحية أم معاقبة الجلاد!.

للمرأة عناوينٌ عدّة، فهي متنوّعةٌ ومختلفةٌ من جيلٍ إلى آخر، ومن مجتمعٍ إلى آخر، فكلّ مجتمعٍ يصفُ المرأة كحالهِ، إمّا أن يجعلها مرآةً لهُ يقوى بقوّتها فتكونُ ركنًا أساسيًّا، وإمّا أن تُهمّشَ وترمى جانباً بحجةِ أنّها عورةٌ وفتنة.


للمرأة عناوينٌ عدّة، فهي متنوّعةٌ ومختلفةٌ من جيلٍ إلى آخر، ومن مجتمعٍ إلى آخر، فكلّ مجتمعٍ يصفُ المرأة كحالهِ، إمّا أن يجعلها مرآةً لهُ يقوى بقوّتها فتكونُ ركنًا أساسيًّا، وإمّا أن تُهمّشَ وترمى جانباً بحجةِ أنّها عورةٌ وفتنة.

لمحة صغيرة موجزة عن المرأةُ في المجتمع، والتي يمكننا تلخيصها بعدّة أمثلة كهذه: -آلةٌ لتقويمِ سلوكِ وطباعِ الذّكر الشّرقيّ، فإن أرادوا تعديلَه وَجَب تزويجَه، وإن لم تنجح في المهمّة فهي المذنبةُ الوحيدةُ واللّوم يقعُ على عاتِقها طول حياتِها، أمّا هو فيصبحُ البطلُ الخارق، والمظلوم الذي لا يريدُ سوى لذّاتهِ التي تندرجُ تحت بندِ “حلالٍ له”
-مصنعٌ لإنجابِ الذّكورِ فقط، ولا بديلَ لذلك إلّا بالتّحديث؛ لأنّه البطلُ أيضًا دون منازع، وإن لم تنجح في هذا فهي غيرُ صالحةٍ للاستهلاكِ البشريّ.
-مصبٌّ لكلّ ما يحمِلُهُ ذكورُ المجتمعِ الشّرقيّ من عقدٍ نفسيّة:
أوّلًا: إن لم تستجبْ لغرائزهِ الجنسيّة، سينهالُ عليها بالضّربِ إن كان زوجها، وسيشهر بها إن كانت شهيّته بها، وإن كان صاحب عملٍ ما عليها إمّا أن تتنازلَ أو تجلسَ في منزلها.
ثانيًا: عقدةُ العلمِ والدّراسةِ التي لا يتحمّل ذكور هذا المجتمع إعطاءها حقّها بالتّعليم، وكما يُقال: “آخرة البنت بيت زوجها”، وبذلك نعود إلى ما سبق.
ثالثًا: عليها أن ترتديَ ملابسَ طويلةٍ واسعةٍ لكيلا تغري الذّكور، لماذا؟
بكلّ بساطةٍ لأنّ الرّجل في مجتمعنا محكومٌ بعباراتٍ يخلقُ ويتربّى عليها، أهمّها أنّه لا يعيبهُ شيء مهما فعل، وقال، فهو يحقّ له كلّ شيء، أمّا أنتِ عزيزتي الأنثى، لا يحقّ لكِ، فهذا غير مقبول وغير عاديّ.

منذ الأزل ونحنُ نعيشُ في عالمٍ يفضّل الذّكور على الإناث، فحدّدت المجتمعات بالإجماع صفات اعتبروها ذكوريّة وأخرى أنثويّة، وأصبحَ التّعريب مبنيٌّ على هذا أساسِ “الجندرة”، الذي يولدُ مع الطّفلِ، ما خلق التّفاوُت الأزليّ، ومقتلِ الكثير من الإناث، أو قد يعشنَ عمرهنّ في صندوقٍ مغلق، مع تقليلٍ كبيرٍ من الحريةِ إن أعطيت لهنّ حتّى.

وإن كنا سنتحدّث عن الشّرف الذي يلاحق الفتاة، علينا أولًا معرفةُ معناه، فهو صفة تمسّ النّفس والخُلُق، وهو الكرامة والنّزاهة، وصفات تضع الإنسان بمرتبةِ التّقدير، والتّعريف الشّامل يخصّ الإنسان ذكراً كان أم أنثى، وهذا التّعريف إلى الآن لا تتبعهُ مجتمعَاتنا العربيّة خاصّة، ولكن هذا المفهوم تغيّر، فالمرأةُ قديماً كانَت تعتبر من ممتلكاتِ القبيلة، مثلها مثلِ أيّ جامد أو حيوان، وسببُ وجودِهم الأساسيّ كان (الزّواج)، أي يقتصرُ دورهنّ على استمراريّة الحياة والمنزل والعائلة، طالما أنّهنّ لا يستَطعنَ المساهمة في التّوسع السّياسيّ، وكان الزّواج بغرض التّحالف السّياسيّ، أو للكسبِ الماديّ، أو للمصالحةِ في أثناءِ وجودِ ثأرٍ بين قبيلتَين أو عائلتين، أي أنّ “المرأة” تعامَل على أنّها سلعة تُباع في الأسواق، إن فسدَت تُتلَف، ومن يقيّم الجودة هم “الرّجال”، والأمرُ لا يقتصرُ على غشاءِ البكارة، بل على أيّ سلوكٍ يَبْدِرُ منها، أو حديث عنها، من المحتمل أن يجعلها تخسرُ شرفها مدى الحياة، إن لم يعجب الرّجل، فالموت هو المصير المحتّم، أمّا الأعمال السّيّئة كالسّرقة، والقتل، والخداع فقد سقطوا سهواً من معنى الشّرف، وبقيَ “غشاء البكارة” متشبّثاً، حتّى اعتبرَت جرائمُ الشّرف حجّةٌ للقاتلِ، وإن لم تُذكر بصريحِ العبارة، لكن مفاعيلهُ موجودة.

وبالحديث عن المرأة لا بدّ لنا الإضاءة عمّا تعانيه من اضطهاد وافتراءات أمام الاستراتيجيّة والسّلطة الذّكوريّة والدّينيّة، خاصّة فيما يتعلّق “بالحجاب”؛ الأمر الذي دائماً ما تلام عليه الفتاة وتتعرّض جرّاءه للتّعنيف والنّبذ، وربما القتل في أغلب الحالات، فالاحتجاجات والتّظاهرات الشّعبيّة الحاشدة التي شهدتها أغلب مدن العالم تنديداً بمقتل الفتاة جينا (مهسا) أميني، بحجة عدم ارتدائها الحجاب حسب الأصول الشّرعية!! تؤكّد مرّةً أخرى أنّ الثّورة أنثى، وشرارة كلّ ثورةٍ حقيقيّة هي أنثى، وكلّ هذا رفضاً للذّهنيّة الرجعيّة والمتعصّبة المتواجدة في كلّ مكان، فما تشهده منطقتنا العربيّة منذ الأزل وحتّى اليوم، وما يحدث في أفغانستان وما يرتكَب بحقّ النّساء على يد حركة “طالبان” من انتهاكات لحقوق الإنسان، إضافةً لما يحدث في فلسطين، ومصر وسورية والأردن وغيرها من قتل واغتصاب وخطف وتعنيف نتيجة تحكّم العقليّة الذّكوريّة، والتّخلّف المجتمعيّ القائم على العادات والتّقاليد الجاهليّة المتوارثة.

امرأة بألف رجل أم رجل بألف امرأة!


كثيراً ما نسمعُ عباراتٍ مثل: امرأة بألف رجل، أو خلف كلّ رجل عظيم امرأة، أو أخت رجال، يعتبرونَها من بابِ التّكريمِ والإجلال لكنّها على العكسِ ترسّخُ في الأذهانِ دونيّة قيمة المرأة، دون انتباه ووعيٍ لما يقال.

أو مصطلح “حريمة” الذي يتداولهُ كثيرون للاستهزَاء والتّحقير من قيمة الأنثى، والتّدليل على ضعفها، أو إضحاكِ الجميعِ وإذلالِ كيانِ الأنثى عند نعتِ الذّكرِ بهذه الصّفة التي باتَت تجري على الألسنِ دون معرفةِ أنّها خطابُ تحقِير.

أيضاً علينا ذكر أنّ جنس “الأنثى” لوحدهِ يعتبَرُ عيباً إلى الآن، فكلّما توضّحت هويتها الجنسيّة والفكريّة كلما زادَ الخِناق عليها، وسُجنت في صندوقٍ محكم الإغلاق حتّى لا يعبثُوا بها -على حدّ تبريرهم-، وكلّما كانَت منفتحةً على العالمِ أكثر سواء باللباس أو الآراء كلّما زادَت الانتقادات، فابنةُ المدينة تعاب وابنةُ الرّيف تُهان، ومن تمتلك ميولاً جنسيّة مغايرة تُقتل أو تُنبذ، وإن كانَت من دينٍ أو طائفةٍ مشوّهة تحملُ وزرهَا مدى الحياة، وإن أخطأت عليها تحمّل نظرة المجتمع وأفكارهِ القذرة تجاهها، وإن أحبّت تُعاقبُ بالإذلال والإهانة والهجران إن أشبعَ الذّكر غرائِزه، وإن عاشَت في عائلةٍ منفصلةٍ فستتوجّهُ إليها التّهم لاحقاً، وقس على هذا من أصغرِ تفصيلٍ حتّى النّهاية ستبقى المرأة تعانِي نتيجةَ توقيعِ اللهِ على جسدِها بأنّها “أنثى”.

من يدعم هذه العادات!؟


لا بدّ هنا من ذكرِ فكرة صحيحةٍ نسبيّاً، وهي أنّ “عدوّ المرأة هو امرأة”، فالسّبب الجوهريّ لمعَاناة النّساء والفتيات في هذا العالم هو خنوع وجهل البعض منهنّ للعادات والأفكار التي تلقينها في صغرهن، ويعشنَ عليها، إحداها تقديس الرّجل في كثيرٍ من الحالات، والتي ربما نطلقُ عليها “متلازمة ستوكهولم” كما يعرّفها علم النّفس التّطوّري، هي عشق الضّحيّة لجلّادها، وهي مشاعر لا عقلانيّة وغير منطقيّة مهما حاولت الضّحيّة تبريرها.
هناك مقولة رومانيّة قديمة تقول: “لا تسأل الطّغاة لماذا طغوا، بل اسأل العبيد لماذا ركعوا!؟”، وهنا لا أريدُ سؤالَ الرّجلِ لماذا يظلم النّساء، بل أريدُ معرفةَ لمَ المرأة تقبلُ بهذا العنفِ، والأذَى النفسيّ والجسديّ؟

النّسوية وحضورها في غياب الحقوق


يجبُ أن نعلمَ أنّ فكرة النّسويّة يجب أن تؤكّد حرية المرأة، ومعرفَتها لحقوقِها، وضمانِهَا لحرّيتها أينما كانت، سواء متزوجة أم لا، ولكن ذهبت هذه الفكرة نحو اتجاه بعيدٍ عن الأساس الذي يجب أن تبنى عليه، فباتَ هدفها مهاجمة الرّجل فقط، إضافةً لوجودِ نساء يعشقنَ التّعنيف، ويفتخرنَ باستعبادِ الرّجل لهنّ، ولا بدّ من ذكرِ أنّ هناكَ ذكور يعملون لصالح النّسويّة أكثر من النّساء أنفسهنّ.
ففي كتاب (لذة الألم: المازوخيّة وجنسانية المرأة) للكاتبة ماريا ماركوس، وضمن حملتها النّسوية الشهيرة، زارت الكاتبة النسوية الأسترالية (جيرمين غرير) الدنمارك عام 1972. وخلال أحد الاجتماعات الذي تحدثت فيه للنّساء الدّنماركيات، وبينما كان الحديث مفعماً بالحماس والتفاؤل، وقفت إحدى النّساء وقالت بصوت عال يفوح باليأس:
“ولكن، كيف يمكن أن نقوم بحركة نسوية تحررية في الوقت الذي أجزم فيه أن ثلاثة أرباع اللواتي يجلسن هنا مازوخيات” (أي يتلذذن بالألم الجسدي والنّفسي الذي يقع عليهن من الرجل في العلاقة الجنسية)؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد