عزمي بشارة.. إلى أين؟
من غاية أي دولة تبحث عن صلابة أركانها احتضان مفكرين بين ربوعها. فمفهوم الدولة مفهوم معقد يتكون من مجموعة عقائد. منها العقيدة السياسية والعقيدة الثقافية والعقيدة الدينية والعقيدة الاقتصادية والعقيدة التعليمية والعقيدة العسكرية والعقيدة الطبية…. وعقائد الدولة ليست مجرد نصوص يحررها معبّر إعلامي صاحب قلم إنشائي. عقائد الدولة هي تلك النصوص التي من خلالها تستمد الدولة رسالتها ورؤيتها واستراتيجيتها المرحلية وخططها السنوية.
عزمي بشارة (مواليد الناصرة، 22 تموز 1956) عَلماني فلسطيني من عرب 48 . انطلق مبتدءا كيساري قومي. إشتغل بشكل واضح في المجال السياسي عندما ساهم في تأسيس حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” في إسرائيل ، ثم ترقى ليكون قائدًا للتجمع. كما إنتخبه الفلسطينيون في عام 1996 ليكون نائبًا في الكنيست الإسرائيلي. ونجح في أربع دورات انتخابية برلمانية متتالية، وبقي نائبًا في البرلمان حتى عام 2007 حين كاد الكيان الإسرائيلي أن يرفع عنه الحصانة ليحاكمه مما دفعه الى خروجه إلى المَنفى واستقالته منه عام.
إنتهى به المطاف أن تلقفته الدوحة. وأعطته المجال المالي والتصاريح لتأسيس مؤسسات ثقافية وإعلامية.
نجحت الدوحة باختيار مفكرا عربيا بهذا الوزن الكبير. وسرعان ما ساهم في رسم معالم رؤيتها.
من عدة منصات. منها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” الذي أسسه عام 2010، ومنها “مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا”، ومنها محطة “العربي” بكافة تشعباتها الإعلامية.
امتازت مقالات عزمي بشارة ومازالت تشجيعها العرب على بناء ثقافة ديمقراطية. قادت مباديء عزمي بشارة الى تشجيع الثورات العربية، أيام الربيع العربي، وصبت جل تحليلاته لصالح المثقف الثائر الذي يعادي الأنظمة العربية. إنطلاقا من عام 2014 وبعد مشاهداته فشل قدرة الحراك السلمي المدني من إحداث تغيير فعال، ورؤيته لحجم دموية النزيف في جسد شبابه الثوري تغيرت توجهاته. عاطفة عزمي بشارة مالت نحو حقن الدماء ومعه تغيرت قناعاته عندما بدأ ينظر لصالح المثقف الناقد الناصح الموالي للأنظمة وليس المعادي لها.
ولكن وبعد مضي عدة أعوام على حصار قطر كأنما قرر عزمي بشارة أن يفعل شيء ما ليفك الحصار عن قطر. فانطلاقا من مطلع عام 2020 باشر عزمي بشارة بخوض معارك إعلامية ناعمة تستعر رويدا بتخليهاعن بعض من نعومتها مقابل تبنيها لمواقف صلبة أكثر فأكثر وكأنما أن هناك سياسة جديدة تتبلور. لقد لفت إنتباه الكثير نشوب مناوشات بين الأستاذ “عزمي بشارة” والأذرع الإعلامية التابعة له مع الأستاذ “محمد ناصر” والأذرع الإعلامية الواقعة تحت نفوذه في تركيا.
إنطلقت القضية من سخرية السيد يوسف حسين الشهير بـ”جو شو”، أحد مقدمي برامج تلفزيون “العربي” الذي يديره عزمي بشارة من قنوات محمد ناصر المتواجدة في تركيا ومن ثم قرار محمد ناصر بالدخول طرفا مباشرا في هذه المعركة عندما قرر الرد على يوسف حسن.
محمد ناصر لم يسكت على تلك السخرية، حيث سأله أحد المتابعين لبث مباشر له على قناته على “اليوتيوب” أيضًا عن رده على جو شو، فأجابه بأنه النسخة “التايواني” من باسم يوسف، مؤكدًا عدم حبه وتقبله له لأن “دمه تقيل” مثل باسم تمامًا.
المحللون لهذا المشهد أطروه في إطار صراع على الثروة بين المنتفعين من هذه التمويلات الهائلة، ولكن الأمر قد يكون أبعد من ذلك.
يبدو أن عزمي بشارة يسعى (بدعم من الشيخ تميم آل ثاني) الى طي صفحة الإعلام الإخواني الراهن بطي نهج الإعلام المتواجه مع مصر.
بل إن عزمي بشارة يضغط على تركيا (وهي الدولة المستظيفة للأستاذ محمد ناصر وأذرعه الإعلامية) ببث رسالة من الدوحة بأنه قد حان الوقت لكي تغير تركيا سياستها إتجاه مصر.
وبالفعل خرجت تصريحات، ياسين أقطاي، (14.09.2020) المتحدث باسم الرئيس التركي، دعا فيها إلى التقارب بين بلاده ومصر،
الأهم في كل هذا أن عزمي بشارة يعبد الطريق الإعلامي للمصالحة الناعمة بين قطر ودول الخليج العربي المقاطعة لها مع مصر.
فهل سينجح؟